الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)
.باب في الرشد والأوصياء والحجر والوصية والإقرار والدين والفلس: ذكر في هذه الترجمة سبعة أبواب، ثم ميز بعضها من بعض بالفصول وبدأ ببيان الرشد فقال:(الرشد) الذي يخرج به السفيه من الولاية هو (حفظ المال مع حسن النظر) في تنميته والتجر فيه ولا يشترط في ذلك صلاح الدين، فهو إذا كان فاسقاً متمرداً في المعاصي، وكان مع ذلك ضابطاً لماله يحسن تنميته والتجر فيه فقد استحق الإطلاق والخروج من الولاية، وأحرى أن لا يحجر عليه إن لم يكن مولى عليه كما يأتي في قوله: وشارب الخمر إذا ما ثمرا إلخ. وما ذكره الناظم من اشتراط حسن النظر مع حفظ المال هو ظاهر المدونة قال فيها: وصفة من يحجر عليه من الأحرار أن يكون يبذر ماله سرفاً في لذاته من الشراب والفسق ويسقط فيه سقوط من لا يعد المال شيئاً، وأما من أخذ ماله وأنماه وهو فاسق في حاله غير مبذر لماله فلا يحجز عليه، وإن كان له مال عند وصي قبضه. اهـ. فانظر إلى قولها: وأنماه إلخ. هو ظاهر في اشتراط التنمية كما في (ح) وعلى اشتراطها درج في الشامل حيث قال: وزال السفه برشد وهو حفظ المال وحسن تنميته وإن من غير جائز الشهادة على المشهور إلخ. فيكون قد درج على ظاهر المدونة من اشتراط التنمية، وعلى ظاهرها أيضاً عول ابن سلمون قائلاً: وبه الحكم، ونحوه لابن مغيث قائلاً: وعليه العمل، وقد علمت أن الناظم يتبع ما عليه عمل الحكام، وإن كان مخالفاً للمشهور، لأن العمل مقدم عليه فلا يعترض عليه بأن المشهور في الرشد إنما هو حفظ المال فقط، ولا يشترط معه حسن تنميته ولا صلاح دين كما هو ظاهر (خ) حيث قال: إلى حفظ مال ذي الأب إلخ. واحترزت بقولي: الذي يخرج به السفيه من الولاية إلخ. من الرشد الذي لا يحجر معه على صاحبه فإن اللخمي قد حكى الاتفاق على أن من لا يحسن التجر ويحسن الإمساك لا يحجر عليه إلخ. وعليه فالرشد رشدان رشد يخرج به من الولاية، وهو محل الخلاف المتقدم ورشد لا يستحق التحجير معه إن لم يكن مولى عليه وهو متفق عليه كذا في (ح) وضيح (و) قال (بعضهم) وهم المدنيون من أصحاب مالك (له) أي معه (الصلاح) في الدين (معتبر) زيادة على ما ذكر من حفظ المال وحسن التصرف فيه، فاللام في له بمعنى (مع) وقد حكاه في المغني عن بعضهم، والضمير لما ذكر كما قررنا، والجملة معمولة للقول المقدر، ويحتمل أن تكون اللام بمعنى (عند) والضمير للبعض وعليه فبعضهم مبتدأ، والصلاح مبتدأ ثان. وله يتعلق بمعتبر، ولابد في هذا الوجه من تقدير كلام أي: وبعضهم الصلاح معتبر عنده مع ما ذكر من حفظ المال وحسن النظر فيه، فالوجه الأول أحسن إذ لا يحتاج معه إلى تقدير، إذ الضمير في (له) عائد على ما ذكر من حفظ المال وحسن النظر فيه ووجه هذا القول إنه إذا لم يكن صالحاً في دينه بل كان فاسقاً شريباً مثلاً أدى إطلاقه من الحجر إلى فناء ماله، ولكن المعمول به ما تقدم من اعتبار حفظ المال وحسن النظر فيه ولا زال العمل عليه إلى الآن، وأما حسن الدين فلا وسيأتي قول الناظم: والتثمير التنمية. (والابن ما دام صغيراً) ذكراً كان أو أنثى (للأب إلى البلوغ حجره) مبتدأ ثان وخبره للأب و(فيما اجتبى) يتعلق بالاستقرار في الخبر أي: فيما اجتبى عند جميع أهل العلم، ولا مفهوم للأب بل والوصي والمهمل كذلك، وظاهره أنه لا يخرج من الحجر ولو ظهر رشده وحسن تصرفه وهو كذلك اتفاقاً كما في ضيح وعليه فإذا تصرف بغير معاوضة من هبة وعتق فإن ذلك لا يمضي ولو بإذن وليه كما في المقدمات وإن تصرف بمعاوضة من بيع وشراء ونحوهما، فذلك موقوف على نظر وليه إن رآه مصلحة أمضاه وإلاَّ، رده فإن لم يكن له ولي وغفل عن ذلك حتى احتلم ورشد كان النظر إليه في إنفاذ ذلك أو رده، ولو وافق فعله السداد والمصلحة على المشهور (خ): وللولي رد تصرف مميز وله إن رشد ولو حلف بحرية عبده في صغره وحنث بعد بلوغه أو وقع الموقع إلخ.تنبيهات:الأول: قال البرزلي في أوائل النكاح: إذا كان المحجور يبيع ويشتري ويأخذ ويعطي برضا حاجره وسكوته، فيحمل على أنه هو الذي فعله بذلك أفتى شيخنا الإمام ووقع الحكم به قال: ولا يبعد أن يجري على حكم ما إذا أعطي مالاً لاختبار حاله وفيه قولان في المدونة. اهـ. وسيأتي ذلك عند قول الناظم: وجاز للوصي فيمن حجرا إلخ. وما تقدم عن البرزلي نقله (ح) صدر البيوع عند قوله: ولزومه تكليف إلخ. قائلاً: وبه أفتيت، ومقابله للأبهري أن سكوته ليس برضا يعني: ولا بإذن، وحينئذ فلا يلزمه ذلك، وعلى الأول فإن كان صواباً ومصلحة لزم، وإن كان غير مصلحة نقض ما دام البيع قائماً بيد المشتري، فإن فات بيده ببيع أو غيره لم ينقض ورجع على المشتري بكمال القيمة على ما أفتى به ابن رشد فإن تعذر الرجوع على المشتري بكل وجه وكان الوصي عالماً بأنه غير مصلحة فالظاهر أنه يضمن. اهـ.الثاني: ليس معنى قولهم: إذا كان المحجور يبيع ويشتري بحضرة وليه وسكوته الخ أنه يكون مطلق اليد ويخرج بذلك من الحجر حتى يمضي ما فعله بغير حضرة وليه كما توهمه عبارة المواق وتمسك بها بعضهم اليوم فأفتى بذلك، وإنما مرادهم أن ما فعله بحضرته وسكوته من بيع ونحوه يحمل على أنه أجاز خصوص ذلك البيع، ونحوه الواقع بحضرته لأن سكوته عنه إذن فيه حكماً، وأما ما عداه مما لم يكن بحضرته فلا يمضي إلا بإمضائه وقد قال في المدونة. ليس الإذن للسفيه في البيع مزيلاً للسفه. اهـ. وإذا كان الإذن بالصراحة ليس مزيلاً للسفه فأحرى السكوت الذي هو منزل منزلته، بل ذكر (ح) في الإقرار عند قوله: لا أقر إلخ. خلافاً في السكوت هل هو إذن أو ليس بإذن؟ قال عن ابن رشد: وأظهر القولين إنه ليس بإذن إلخ. وعليه فما تقدم عن الأبهري هو الأظهر لولا أن الحكم والفتوى وقعت بخلافه في خصوص النازلة كما مر فيجب اتباعه.الثالث: إذا باع المحجور شيئاً من عقاره ونحوه بغير إذن وليه فللولي الرد والإمضاء كما مرَّ، ثم المبتاع إن وجد الثمن بيد المحجور وشهدت بينة لم تفارقه أنه الثمن المدفوع أو كان مم يعرف بعينه أخذه، وكذا إن شهدت بينة بأنه صرفه في مصالحه مما ليس له منه بد قاله ابن سلمون. ونقله في المواق صدر البيوع ونحوه في المتيطية، ونظمه في العمل المطلق، وحكي عن العبدوسي أن العمل عليه. (إن ظهر الرشد): شرط فيما قلبه، والمعنى أن الصبي إما أن يبلغ ظاهر الرشد متحققه فيرتفع الحجر عنه حينئذ (ولا قول لأب) في رد شيء من أفعاله ولو لم يشهد على إطلاقه من الولاية لخروجه منها ببلوغه وظهور رشده، وإما أن يبلغ ظاهر السفه متحققه وهو معنى قوله: (وبالغ بالعكس حجره وجب) فلا يمضي شيء من أفعاله ولو لم يحجر عليه على ما عليه العمل اليوم حتى يثبت رشده، وإما أن يبلغ مجهول الحال مشكوكاً فيه، فإن جدد عليه أبوه الحجر بفور البلوغ كان مردود الأفعال أيضاً كما قال: (كذك) يستمر (من أبوه حجراً جددا عليه) الحجر (في فور البلوغ) حال كونه (مشهداً) بذلك بأن يشهد الشهود أنه جدد الحجر عليه بحيث لا يمضي له فعل إلا بعد تبين رشده وإطلاقه من ثقاف الحجر إلخ. فيكون قوله: كذاك حجر إلخ. هو في مجهول الحال قبل مضي العام والعامين أي في معلوم السفه، وفائدته في معلوم السفه أنه لا يخرج من الحجر إلا بالإطلاق على القول باعتبار الولاية وهو قول مالك لا على القول باعتبار الحال المعمول به كما يأتي، ولا يصح أن يكون كلامه هنا فيمن بلغ معلوم الرشد لأن هذا لا يصح تحجيره ولو بفور البلوغ كما في النقل، وكما قدمه الناظم في قوله: ولا قول لأب إلخ. وهو صريح قوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} (النساء: 6) إذ لا يجوز إمساك ماله حينئذ عنه، ومن أمسكه فهو ضامن كما يأتي للناظم آخر الباب خلافاً لما في الشيخ بناني عن ابن عاشر من أنه يجوز التجديد مع كونه حافظاً لماله إلخ. وظاهر قوله: بفور البلوغ أن تجديده عليه قبله لا يصح لأنه من تحصيل الحاصل كما لا يصح تجديد الحجر على البنت البكر قبل البناء قاله ابن رشد، ونحوه في المعيار عن العبدوسي قائلاً: وبه القضاء والعمل. ثم لابد أن يضمنوا بلوغه في رسم التجديد وإلاَّ بطل لاحتمال أن يكون جدد قبل البلوغ فلم يصادف محلاً كما أنه لابد أن يضمنوا في البنت وقت الدخول وإلاَّ بطل للعلة المذكورة قاله في دعاوى المعيار. ثم ما ذكره الناظم من جواز التجديد المذكور. قال المتيطي عليه انعقدت الأحكام، وقال ابن مغيث: به مضى العمل من شيوخنا قال: ولا يجوز حينئذ من أفعاله شيء. قال: وكذا لا يلزمه ما أقر به بعد التحجير بمدة، وأما ما أقر به بالقرب من تحجيره فيلزمه ونظمه في العمل المطلق قال: وم ذكره من التفصيل في إقراره مبني على قول مالك أن فعل السفيه قبل الحجر محمول على الإجازة وهو قول مالك، فيلزمه ما أقر به بالقرب من تحجيره لئلا يضيع مال من عامله بخلافه بعد الطول من حجره لبعد وقت التعامل. اهـ. ومفهوم قوله: بفور البلوغ أنه إذا تأخر تجديد الحجر عن البلوغ بكثير، والمراد بذلك ما زاد على العام والعامين كما في التوضيح وغيره لم يجز تجديده ولم يلزم، وعليه يحمل ما في وصايا المعيار عن سيدي موسى العبدوسي من أن شهود التجديد إن لم يضمنوا علمهم بسفه الولد فلا أثر للتجديد ولا عمل عليه. اهـ. وقال في المقصد المحمود: ولا يجدد الأب الحجر على ابنه الذكر إلا في فور بلوغه فإن تراخى قليلاً لم يجز إلا بالشهادة باتصال سفهه، وإن لم تقم بينة به خرج من ولايته ولا يدخل تحتها إلا أن يثبت عند القاضي سفهه ويعذر إليه، فإن لم يكن له مدفع ولى عليه أباه أو غيره. اهـ. ونحوه في الاستغناء. وقال في المتيطية: إن جدد تسفيه ابنه البالغ عند حداثة بلوغه جاز ذلك. قال ابن العطار إلى عام، وقال الباجي: هو على السفه إلى عامين حتى يثبت رشده، وإن تباعد فهو على الرشد حتى يثبت سفهه عند القاضي ويعذر إليه، يقدم عليه ناظراً أباه أو غيره. اهـ. (وبالغ وحاله قد جهلا على الرشاد حمله) حتى يثبت سفهه، وهي رواية ابن زياد عن مالك، وهو ظاهر ما في نكاح المدونة إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء إلا أن يتأول أنه أراد نفسه لا بماله كما تأوله ابن أبي زيد (وقيل لا) يحمل على الرشد بل على السفه وهو المشهور كما في (ح) عن ابن رشد والتوضيح، وهو الذي عول عليه (خ) حيث قال: إلى حفظ مال ذي الأب إلخ. أي إلى وجوده، وفي الجهل لم يوجد له حفظ، ولذلك كان للأب أن يحجر عليه بفور بلوغه كما مرّ. وفي الشامل: وللأب تسفيه ولده بعد بلوغه ما لم يعلم رشده إلخ. لكن هذا القول المشهور ظاهر في أنه محمول على السفه حيث يثبت رشده ولو طال، وتقدم أنه إذا طال حتى زاد على العامين فإنه يحمل على الرشد وليس للأب تسفيهه حينئذ إلا بالرفع وإثبات سفهه كما مرَّ وهو قول ثالث. وكان الناظم لما قدم القول بالتجديد إثر البلوغ حسن منه أن يشير إلى القولين الباقيين في المسألة وإلاَّ فهذا البيت لا حاجة إليه، وربما يكون ذكره مشوشاً ومعارضاً لما قدمه والله أعلم. (وإن يمت أب و) الحال أنه (قد وصى على مستوجب) بكسر الجيم اسم فاعل (حجراً) مفعوله من صغير أو سفيه يثبت سفهه ببينة وقت الإيصاء أو مجهول حال لم يمض عليه العام والعامين من بلوغه، لأن الإيصاء عليه حينئذ كتجديد الحجر عليه (مضى ما فعلا) من تحجيره، والإيصاء عليه ولا يخرج حينئذ من الولاية إلا بإطلاق من وصي أو سلطان وأفعاله كلها مردودة قبل الإطلاق، وإن علم رشده أو مات وصيه ولم يقدم عليه وهو معنى قوله (خ): إلى فك وصي أو مقدم إلخ. ولكن الذي به العمل الآن هو مذهب ابن القاسم أنه إذا علم رشده وثبت فلا ترد أفعاله، وإن كان وصيه أو أبوه موجوداً فضلاً عن موتهما وإن ثبت سفهه فأفعاله مردودة وإن لم يكن مولى عليه قال ناظم العمل: وهذا العمل مطرد في الذكر والأنثى وذي الأب والوصي والمهمل.تنبيه:ظاهر قول الناظم مضى ما فعلا إلخ. أن الأب إذا شرط في إيصائه أن ولده يكون مطلق التصرف بعد بلوغه أنه يعمل بشرطه وهو كذلك على ما صدر به في المتيطية: والمعين ما لم يثبت سفهه فتستمر عليه الولاية وترد أفعاله، وقال ابن عرفة: إن شرط الأب في إيصائه بابنه إطلاقه بعد بلوغه عشرين سنة فمات وصيه وبلع اليتيم المدة وتصرف وهو مجهول الحال ففي وقف تصرفه على ثبوت رشده وإطلاقه بشرطه قولان.قلت: وبالأول عمل القضاة من ذوي العلم ببلدنا. اهـ. باختصار. ونقله ابن غازي في التكميل. (ويكتفي الوصي) من قبل الأب ووصيه (بالإشهاد) على نفسه أنه أطلق محجوره من ثقاف الحجر، وإن لم تشهد بينة برشده وحسن تصرفه (إذا رأى مخايل) دلائل (الرشاد) وهو مصدق فيما يذكره من رشده وحسن تصرفه، وإن لم يعرف إلا من قوله وسواء كان محجوره ذكراً أو أنثى، قال في الشامل: وزوال الحجر ببلوغ ورشد بينهما اختبار ثم قال: واختباره يكون بدخول الأسواق ومخالطة الناس في البيع والشراء فينكر على المغبون ويغبط الرابح وهل يختبر بدفع شيء يسير من ماله قولان. وسيأتي أن الراجح من القولين جواز اختباره بالشيء اليسير في قول الناظم: وجاز للوصي فيمن حجرا إلخ. وإنما كان لا يجوز الترشيد إلا بعد الاختبار لقوله تعالى: {وابتلوا اليتامى} إلى قوله: فإن آنستم منهم رشداً} الآية (النساء: 6) ابن دبوس: اختلف في إطلاق الوصي محجوره فقال مالك: إطلاقه جائز والوصي مصدق فيما يذكر من حاله، وقيل لا يجوز إطلاقه إلا أن يعلم رشده ببينة وهي رواية أصبغ، وعلى الأول العمل. اهـ. باختصار. ومفهوم مخايل الرشاد أنه إذا لم يرها لم يجز له أن يطلقه إلا أن يثبت رشده بالبينة ويحكم القاضي عليه به، وكذا مقدم القاضي الذي هو مفهوم الوصي ليس له أن يطلقه بما يعرفه من حاله بل لابد من إذن القاضي وشهادة البينة برشده كما قال: (وفي ارتفاع الحجر مطلقاً) كان من مقدم القاضي أو الوصي حيث لم ير مخايل الرشاد وإلاَّ فهو ما قبله (يجب إثبات موجب لترشيد طلب) أي: طلبه المحجور فلا يجاب إليه بعد إثبات موجبة من البينة برشده وحسن حاله، وأنه ممن لا يخدع في بيع ولا ابتياع ويعذر القاضي للوصي والمقدم في تلك البينة فإذا لم يجد مطعناً حكم بإطلاق حينئذ وما ذكره الناظم في مقدم القاضي من أنه لا يرشده إلا بالبينة، ولو عمل رشده هو الذي به العمل كما في الشامل ونظمه في العمل المطلق وهو اختيار اللخمي قائلاً: لفساد حال الناس اليوم إذ كثيراً ما يقدم غير المأمون فيتهم أن يقول رشيد فيمن ليس برشيد ليسامحه المولى عليه ويشهد له بالبراءة فلا يؤتمن أحد اليوم إلا أن يثبت رشده. اهـ. ونحو ذلك لابن عطية في قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى} (النساء: 6) قائلاً: الصواب في أوصياء زماننا أن لا يستغنى عن الرفع للسلطان وثبوت الرشد عنده لما حفظ من تواطئ الأوصياء على ترشيد محاجيرهم ويبرئهم المحجور لسفهه وقلة تحصيله في ذلك الوقت. اهـ. ونقل ذلك ابن رحال في شرحه، وعليه فالعمل الذي في مقدم القاضي يجري في الوصي لاتحاد العلة بفساد الزمان لأن ذلك إذا كان في زمان ابن عطية فكيف به في زماننا الذي هو بعده بقرون كثيرة؟ ولذا قال الشيخ الرهوني: العمل بذلك متعين في زماننا.تنبيه:علم من هذا أن مقدم القاضي إذا دفع المال للمحجور بما يعرفه من حال رشده دون بينة ودون حكم القاضي عليه به فهو ضامن له كما أن الوصي إذا دفعه له قبل مخايل الرشاد ضمن أيضاً وكذا بعد مخايله على ما تقدم عن ابن عطية. (ويسقط الإعذار في الترشيد حيث وصيه من الشهود) إذ لا منازع له غيره. مفهومه أنه إذا لم يشهد بترشيده فلابد من الإعذار إليه إن طلبه فإن أبدى مطعناً فذاك وإلاَّ لزمه ترشيده، ومفهوم وصيه أنه لا يسقط الإعذار حيث كان المقدم من الشهود، وهذا كله على ما تقدم من أن للوصي الترشد بما يعرف من حال محجوره بخلاف مقدم القاضي، وأما على ما مر عن ابن عطية من مساواة الوصي للمقدم فلا يسقط الإعذار ويكلفهما القاضي بأن يبحثا عن أحوال الشهود، فإن اتهمهما في التقصير عن البحث للعلة السابقة فيبحث هو بنفسه أو يأمر من يبحث له. ولما فرغ من الكلام على ذي الأب والوصي أشار إلى المهمل وذكر فيه أربعة أقوال فقال: (والبالغ الموصوف بالإهمال) أي ليس له أب ولا وصي ولا مقدم من قاض بل وكذلك إذا كان له أحد هؤلاء فلا مفهوم للإهمال على قول ابن القاسم هذا (معتبر) حكمه (بوصفه في الحال) أي: في حال تصرفه ببيع أو شراء وغيرهما ثم فسر ذلك بقوله: (فظاهر الرشد) حال تصرفه وشهدت به بينة معتبرة (يجوز فعله) وتصرفه ولو بهبة ونحوها ويمضي ذلك عليه ولا مقال لأبيه ولا لغيره في فسخه ما لم يكن في بيعه وابتياعه غبن فيجري على حكمه المتقدم في فصله. (وفعل ذي السفه) الظاهر الذي شهدت بينة أيضاً (رد) فعله (كله) كان فيه غبن أم لا كان له ولي أم لا لأنه محجور شرعاً وفي نفس الأمر فلا يمضي شيء من أفعاله ولو وافقت السداد. (وذاك) أي هذا القول (مروي عن ابن القاسم) مطلقاً (من غير تفصيل) بين أن يتصل سفهه أو لا بخلافه في القول الثالث فإنه يفصل فيه التفصيل المذكور (له) متعلق بقوله (ملائم) نعت لتفصيل، وبهذا القول القضاء وعليه العمل إلى الآن، ولذا صدر به الناظم خلافاً لما في (خ) من تصديره بقول مالك المشار له بقوله: (ومالك يجيز كل ما صدر بعد البلوغ عنه) يتعلق بصدر (من غير نظر) إلى كونه رشيداً أو سفيهاً معلناً بالسفه أم لا اتصل سفهه بالبلوغ أم لا وظاهره ولو تصرف بغير عوض كعتق وهبة وصدقة وهو كذلك لأن العلة عنده في رد فعله وجود الولاية وهي لم توجد وبهذا صدر (خ) حيث قال: وتصرفه قبل الحجر محمول على الإجازة عند مالك لا ابن القاسم إلخ. (و) القول الثالث (عن مطرف) وابن الماجشون (أتى) أن (من) شهدت فيه بينة بأنه (اتصل سفهه) من حين بلوغه إلى وقت تصرفه ببيع ونحوه (فلا يجوز ما فعل) ويرد بيعه وغيره. (وإن يكن) طرأ (سفه بعد) أن شهدت بينة ب (الرشد) وحفظ المال (ففعله) الذي فعله من حال طرو السفه (ليس له من رد) بل هو لازم له وهذا. (ما لم يبع من خادع) أي ما لم يكن بيعه بيع غبن وخديعة ببينة كأن يبيع ما يساوي ألفاً بمائة أو يشتري كذلك (فيمنع) بيعه وابتياعه ويفسخان ويقضي عليه برد الثمن في الابتياع والثمن في البيع إن بقيا بيده (و) أما إن فات (بالذي أفاته) من ذلك (لا يتبع) حيث لم يصون به ماله وإلا ضمن الأقل منه ومما صونه كما مر عند قوله في الوديعة: ولا ضمان فيه للسفيه الخ إذ غايته أن المشتري هنا سلطه على الثمن والبائع سلطه على المثمن، فهو أمين فيهما ولا ضمان عليه فيهما حيث لم يصن بهما ماله على قول مطرف، وكذا على قول ابن القاسم حيث كان ظاهر السفه بخلافه على قول مالك، ثم قول مطرف لم يفرق فيه بين معلن السفه وغيره بل بالاتصال وعدمه، وفرق بينهما أصبغ وهو رابع الأقوال، وإليه أشار بقوله: (ومعلن) أي ظاهر (السفه) لكل أحد لا يصيب السداد في شيء من أفعاله (رد) أصبغ (ابن الفرج) جميع (أفعاله والعكس) أي صاحب العكس وهو غير معلن السفه ولا ظاهره لكل أحد بل يصيب السداد في البعض دون البعض (في العكس اندرج) فتمضي أفعاله ولا يرد شيء منها وبقولي: لكل أحد إلخ. تظهر المغايرة من قولي أصبغ ومطرف إذ مطرف لا يشترط ظهوره لكل أحد بل يكتفي ثبوته بالبينة وإن لم يظهر بغيرها ويعتبر الاتصال وعدمه، وأصبغ يشترط ذلك ولا يعتبر الاتصال وعدمه والله أعلم. ثم أشار إلى البالغ المهمل المجهول الحال الذي لم تشهد بينة بظهور رشده ولا بضده فقال: (وفعل من يجهل) مبتدأ (بالإطلاق) يتعلق بقوله يجوز (حالته) نائب فاعل يجهل (يجوز) خبر المبتدأ (باتفاق) حال أي: وفعل من يجهل حاله يجوز بالإطلاق كان بعوض أو لا حال كون الجواز باتفاق الأقوال المتقدمة، ويجوز أن يكون باتفاق يتعلق بيجوز وبالإطلاق حال. وقولي: المهمل احترازاً من المجهول ذي الأب أو الوصي أو المقدم فإنه لا يمضي شيء من أفعاله إلى ظهور رشده، نعم ذو الأب إذ بلغ مجهول الحال ولم يجدد عليه الحجر حتى مضى العام ونحوه فهو على الرشد كما مر. وحاصل ما تقدم من أول الباب أن غير البالغ من الذكور أفعاله كلها مردودة، ولو ظهر له شبه رشد فلا عبرة بذلك إلا أن يكون تصرفه برضا وليه وسكوته كما مر، والبالغ منهم إن ثبتت له حالة رشد فأفعاله ماضية والعكس بالعكس ولا عبرة بحجر ولا فك كان له أب أو وصي أو مقدم أو لم يكن له شيء من ذلك على قول ابن القاسم المعمول به من مراعاة الحال مطلقاً كما مر، وإن كان قد بلغ مجهول الحال ولم يثبت سفهه ولا رشده فإن كان ذا أب وجدد عليه الحجر بالفور كما مر مضى على حجره حتى يثبت رشده فيخرج، ولو لم يطلقه أبوه، وإن كان ذا وصي أو مقدم فهو على حجره حتى يثبت رشده فيخرج أيضاً ولا يحتاج إلى فكهما على المعمول به خلافاً لما في حاشية ابن رحال من اشتراط الفك وإن لم يكن له حاجر أصلاً فأفعاله جائزة. هذا هو المعمول به في الذكور، وأما الإناث فسيأتي الكلام عليهن في النظم إن شاء الله.تنبيهان:الأول: تقدم في اختلاف المتبايعين أن المحجور إذا باع فيما لا غنى له عنه ووافق السداد أو باع ما ليس بمصلحة بحضرة وليه أو تصرف بغير محاباة بمحضر وليه وسكوته، فإن ذلك ماض انظره هناك، وانظر أيضاً ما تقدم أول هذا الباب وتقدم أيضاً عند قوله في الوديعة: ولا ضمان فيه للسفيه إلخ. أن المحجور إذا أودع وديعة عند رشيد فإن الرشيد يضمنها، وأن المحجور إذا أمن محجوراً أو عامله فأتلف الثمن فإن الضمان على المتلف بكسر اللام، وإذا طلب المشتري من المحجور أو البائع منه تحليف الولي أنه ما أذن لمحجوره في البيع والشراء حيث لم يكن ذلك بمحضر وليه فلا يمين عليه كما يأتي عند قوله: الثاني: قال في الكراس الثاني من معاوضات المعيار: أن الذي به العمل أن المحجور إذا مات وليه فالحجر منسحب عليه حتى يطلق. اهـ. يعني بترشيد حاجره أو ثبوت رشده على ما به العمل من اعتبار الحال كما مر، وسيأتي قول الناظم: والله أعلم. (ويجعل القاضي بكل حال على السفيه) الثابت سفهه (حاجراً في المال) يحفظه له ويمنعه من التصرف فيه لئلا يضيعه والسفه خفة العقل ومنه ثوب سفيه أي خفيف قاله السوداني، والمراد به هنا ما يشمل الصبي، وانظر إذا أخبر القاضي بسفهه ولم يجعل عليه حاجراً حتى أتلف ماله، والظاهر أنه يجري على قول (خ) كتخليص مستهلك من نفس أو مال فيضمن، وكذا يضمن الشهود إذا علموا ولم يخبروا القاضي بذلك أيضاً. وانظر أيضاً في الرجل أو المرأة يضع يده على مال الأيتام من غير إيصاء ولا تقديم وأمكنه الرفع إلى الحاكم فلم يفعل أنه مصدق فيما يدعي تلفه ويده في ذلك يد أمانة كالملتقط وحافظ المال الذي لا حافظ له قاله في وصايا المعيار، ثم إذا جعل عليه حاجراً فإنه ينفق على المحجور منه بالمعروف ولا يجب عليه أن يتجر بالمال، وإنما يستحب ذلك فقط كالوصي، وإذا تلف في حال التجارة أو قبلها أو بعدها فلا ضمان لأنه كالمودع ما لم يفرط ويشترى له به الرقيق للغلة والحيوان من الماشية كما في (ح) وأحرى إذا كان الحيوان من متروك أبيه فإنه يتركه له للغلة إن كان مصلحة وما يقوله العامة من الطلبة من أن المحجور لا يترك له الحيوان لسرعة تغيره خطأ لما علمت من أن ذلك بحسب المصلحة، والمصلحة في البوادي هو ترك ذلك لهم وشراؤه لهم، وفي الحواضر عدم الشراء والترك لعدم من يصونه في الغالب، فإن وجد من يصونه ترك لهم، وانظر ابن سلمون. ولا يجوز أن تدخل أموال اليتامى في ذمة الأوصياء بأن يكون لهم ربحها وعليهم ضمانها لأنه سلف بمنفعة نقله (ح) لكن ذكر الشيخ محمد العربي بردلة: أن العمل على خلافه وأنه جرى العمل بجعل المال في ذمة الوصي والمقدم قائلاً: ولم ندرك الأمر إلا على ذلك، وفعلوا ذلك لكونه من المصالح العامة فلما قلت الأمانة وصار الأوصياء يأكلون أموال اليتامى ويزعمون تلفها جعل العلماء ذلك في ذمتهم احتياطاً للمحجور كما جعلوا أجرة الدلال جعلاً إن باع قبضا وإلاّ فلا لقلة الأمانة في السماسرة. اهـ.قلت: ولا زال العمل على ما قاله إلى الآن فيقول الموثق في وثيقة زمام التركة بعد إخراج صوائرها ما نصه: وما بقي من المتروك بعد الصوائر المذكورة وقدره كذا هو للمحجور في ذمة الوصي أو المقدم لا يبرأ منه إلا بموجب إلخ. وإلاَّ فكان الواجب على ما مر عن (ح) أن يقول: وما بقي فهو أمانة تحت يد الوصي وحفظه إلى رشد محجوره ودفعه له بموجب، فإذا ادعى التلف صدق على هذا لا على ما به العمل.ولما فرغ من الكلام على ما يخرج به الذكر من الحجر شرع في الكلام على ما تخرج به الأنثى وأنها أربعة أقسام: ذات أب أو وصي أو مقدم أو مهملة فقال: (وإن تكن) أي توجد (بنت) فاعل (و) الحال أنها (حاضت و) أن (الأب حي) احترز بالأول مما إذا لم تحض فإنها داخلة في قوله فيما مر: والابن ما دام صغيراً إلخ. وبالثاني مما إذا مات الأب فإنه إما أن يوصي عليها غيره أو يتركها مهملة، وسيأتي ذلك قريباً (فليس الحجر عنها) أي عن التي حاضت ولها أب حي (يذهب) بل تستمر في حجره ولا تخرج منه. (إلا) بأحد أمرين أولهما (إذا ما) زائدة (نكحت) أي إلا إذا تزوجت ووطئها الزوج (ثم مضى سبعة أعوام) من يوم وطئه إياها فإنها تخرج حيئذ بمضيها حيث جهل حالها، فإن عرفت بالسفه فلا تخرج ولو مضى لها أكثر من عشرة أعوام (وذا) القول (به القضا) ء والعمل كما لابن رشد ومحل خروجها بمضي المدة المذكورة مع جهل الحال. (ما لم يحدد) أبوها (حجرها إثر البنا) ء بها ووطئه إياها بأن يقول للشهود: اشهدوا علي بأني جددت الحجر على بنتي فلانة المذكورة في رسم النكاح أعلاه بحيث لا تفعل فعلاً إلا بإذني ومهما فعلت بغير إذني فهو رد، ولابد أن ينصوا في هذا الرسم على أنه قال لهم ذلك بعد البناء والوطء، فإن لم ينصوا على ذلك بطل التجديد لاحتمال أن يكون التجديد قبل الوطء، إذ لا يلزم من الدخول والبناء الوطء بالفعل إذ كلاهما عبارة عن إرخاء الستر عليها، نعم إذا كان عرفهم أن البناء والدخول لا يطلقان إلا على الوطء بالفعل فيكفي أن يقولوا: وذلك بعد البناء والدخول إلخ. فإذا ثبت هذا الرسم فإنها لا تخرج حينئذ إلا بترشيده إياها ولو لم يعرف إلا من قوله: أو بثبوت رشدها ولو لم يرشدها على ما به العمل من اعتبار الحال كما مر. وهذا يقتضي أن الأب إذا مات قبل السبعة أعوام وقبل التجديد أن القاضي يقدم عليها كما يقدم على الصغار وهو كذلك كما لابن الحاج، ومراده بالإثر أن يكون التجديد داخل المدة التي تخرج بها وهي سبعة أعوام، فإذا خرجت لم يصح التجديد كما لا يصح قبل الدخول أيضاً لأنها محجورة، فالتجديد من تحصيل الحاصل كما مر عن العبدوسي، ثم ما ذكره الناظم تبعاً لابن رشد وغيره من أن العمل على أنها لا تخرج من الحجر إلا بمضي سبعة أعوام هو أحد أقوال سبعة ذكرها (ح) وقيل إنها تخرج من الحجر بانقضاء عامين إلا أن يجدد الأب الحجر قبل هذه المدة، وهي رواية ابن نافع عن مالك، قال ابن رشد: وهي رواية غراء أغفلها الشيوخ المتقدمون وحكموا برواية شاذة منسوبة لابن القاسم لا يعلم لها موضع، أنها لا تخرج إلا بمضي سبعة أعوام قال الوانشريسي في أنكحة المعيار: فإذا مات أبوها بعد مضي العامين من بناء زوجها فلا كلام في مضي أفعالها إن لم تعرف بسفه على هذه الراوية الغراء. اهـ. وذكر ناظم عمل فاس أن عملهم على هذه الرواية فقال: فيكون العمل الذي ذكره الناظم قد تبدل فتأمله وثاني الأمرين اللذين تخرج بهما من الحجر ما أشار له الناظم عاطفاً على نكحت بقوله: (أو) أي إلا إذا نكحت أو لم تنكح ولكن ثبت رشدها بالبينة و(سلم الرشد الذي تبينا) وثبت ولم يجد الأب فيه مطعناً فإنها تخرج من الحجر أيضاً ثم أشار إلى مفهوم قوله: والأب حي إلخ. وهو ما إذا مات فإنه إما أن يكون قد أوصى عليها فهو قوله: (وحجر من وصى عليها) أبوها (ينسحب) ويستمر ولو دخل الزوج وبنى بها ومضت لها سبعة أعوام فأكثر من دخوله ولا يحتاج في استمرار وانسحابه إلى تجديد داخل السبعة (حتى يزول حكمه) أي الحجر (بما يجب) من ترشيده إياها ولو لم يعرف إلاَّ من قوله على ما مر في قول الناظم: ويكتفي الوصي بالإشهاد إلخ... لا على ما لابن عطية هناك من ثبوت رشدها بالبينة ولم يجد الوصي مطعناً فيها. (والعمل اليوم عليه) أي على ما ذكر من ترشيده إياها أو ثبوت رشدها (ماض ومثله) أي مثل الوصي من قبل الأب (حجر وصي القاضي) أي مقدمه في كونه ينسحب، ويستمر أيضاً حتى يزول حكمه بالبينة فقط ولا يكفي ترشيده إياها على ما قدمه في قوله: وفي ارتفاع الحجر مطلقاً يجب إلخ. وإما أن يموت ولا يوصي عليها أحداً وهو قوله: (وإن تكن) التي حاضت (ظاهرة الإهمال) بحيث لم يوص عليها أبوها ولا قدم القاضي عليها أحداً (فإنها مردودة الأفعال) كلها من تبرعات ومعاوضات ولا يمضي منها شيء ولها إن رشدت رد ذلك كله ولو طال. (إلا مع الوصول للتعنيس) وهو خمسون سنة كما يأتي (أو) مع (مكث عام) من دخول الزوج بها (أثر) بفتح الهمزة والثاء المثلثة (التعريس) وهذا هو الذي به العمل ولذا صدر به الناظم. (وقيل) وهو لسحنون (بل أفعالها تسوغ) وتجوز (إن هي حالة المحيض) بالنصب مفعول مقدم بقوله (تبلغ) أي تمضي أفعالها بمجرد البلوغ لأنها عنده بمنزلة الذكر السفيه الذي لم يول عليه فتمضي أفعاله عند مالك لا ابن القاسم. (والسن في التعنيس من خمسين) سنة (فيما به الحكم) والقضاء (إلى الستين) سنة. وتحصيل ما به العمل في النسوة من قوله: وإن تكن بنت وحاضت إلى هنا أن من لم تبلغ المحيض منهن ففعلها مردود مطلقاً كما مر في قوله: والابن ما دام صغيراً إلخ. ومن بلغت منهن إن ثبتت لها حالة رشد فأفعالها ماضية والعكس بالعكس، ولا عبرة بحجر ولا فك كان لها أب أو وصي أو مقدم أو لم يكن لها شيء من ذلك على المعمول به من مراعاة الحال مطلقاً كما مر في الذكر، وإن بلغت المحيض وهي مجهولة الحال فإن كانت ذات أب فلا يمضي فعلها إلا بعد مضي سبعة أعوام من دخولها على ما للناظم أو مضي عامين على ما لناظم عمل فاس حيث لم يجدد الأب عليها الحجر داخل السبعة أو العامين وإلا فلا يمضي فعلها أبداً إلا بثبوت رشدها أو ترشيده إياها، وإن كانت ذات وصي أو مقدم والموضوع بحاله من جهل الحال فلا يمضي شيء من أفعالها أيضاً حتى يثبت رشدها ولا تحتاج إلى فك أو يرشدها الوصي بمجرد قوله على ما للناظم لا على ما لابن عطية كما مر، وإن كانت مهملة والموضوع بحاله أيضاً ففعلها يمضي بالتعنيس أو مضي عام من دخولها. (وحيث رشد الوصي من حجر) أي رشد محجورته فولاية المال تذهب عنها وتزول و(ولاية النكاح تبقى بالنظر) فلا يعقد نكاحها غيره كما لو رشدها أبوها فإنه لا يعقد نكاحها غيره أيضاً إلا أن يكون هناك من يتقدم على الأب كالابن وابنه فيتقدم على الوصي أيضاً وهذا البيت تكرار مع قوله في النكاح: (وليس للمحجور) ذكراً أو أنثى (من تخلص) من الحجر (إلا بترشيد) ثابت شهدت به بينة معتبرة وحكم الحاكم به (إذا مات الوصي) أو المقدم وبقي من كان في حجرهما مهملاً أي فإنه لا يمضي شيء من أفعاله حتى يثبت رشده ويحكم الحاكم بإطلاقه. (وبعضهم) وهو ابن القاسم (قد قال) إذا مات وصيه وتركه مهملاً (بالسراح) من ثقاف الحجر (في حق من يعرف بالصلاح) في التصرف فتمضي أفعاله من حين حسن تصرفه ولو لم يحكم الحاكم بإطلاقه وهذا هو المعمول به كما مر لأن العبرة عنده بالحال لا الولاية والأول هو قول مالك يعتبر الولاية لا الحال وكان العمل به قديماً ثم تبدل، ولذا نقل (ح) عن البرزلي أنه إذا تصرف بعد موت وصيه فالذي به العمل أن تصرفه حينئذ كتصرفه قبل موته إلا أن يعرف فيه وجه الصواب. اهـ. فهذا العمل إنما هو على ما لابن القاسم. (والشأن) الذي به العمل عند الموثقين (الإكثار من الشهود في عقدي التسفيه) وهو الشهادة بأنه مبذر لماله لا يحسن التصرف فيه ويسقط فيه سقوط من لا يعد المال شيئاً كما مر أول الباب عن المدونة فيستحق بذلك الضرب على يده ويمنع من التصرف فيه في المستقبل وترد أفعاله الماضية على المعمول به من اعتبار الحال لا على مقابله فإنه لا يرد الماضي من أفعاله (والترشيد) أي الشهادة بأنه حافظ لماله حسن النظر فيه فيجب بها مضي أفعاله وإن لم يطلقه وليه ولا الحاكم على المعمول به أيضاً. (وليس يكفي فيهما العدلان) بل الثلاثة والأربعة من العدول ومن اللفيف الستة عشر إلى العشرين كما لناظم العمل في شرحه عند قوله: ونقل عن الكلالي أن الستة من اللفيف تقوم مقام العدل الواحد، وظاهره أنه لا يكفي ذلك ولو عجز السفيه عن أكثر من شاهدين، والذي في المتيطية قال أصبغ في الموازية: لا تجوز شهادة رجلين في ترشيد حتى يكون ذلك فاشياً قال في الواضحة: فإن لم يكن فاشياً لم يدفع إليه ماله غير أن شهادتهما في تجويز ما فعله من عتق وغيره ماضية، ثم بعد كلام نقل عن أصبغ أن السفيه إن عجز عن أكثر من شاهدين لم يمنع من أخذ ماله. اهـ. ونحوه في أقضية البرزلي قائلاً: إذا لم يمكنه الاستكثار يكفيه العدلان إلخ. يعني وما يقوم مقامها من اللفيف وهو الاثنا عشر كما مر. قال ابن فرحون آخر الباب الأول من القسم الثاني ما نصه: الشهادة في الترشيد والتسفيه. قال ابن الماجشون وغيره من أصحاب مالك: يشترط فيهم الكثرة وأقلهم أربعة والمشهور أنه يجزئ في ذلك اثنان. اهـ.قلت: وهذا المشهور لا أقل أن يصار إليه عند العجز عن الاستكثار فيجب أن يكلف بالاستكثار ابتداء فإن عجز فيكفيه اثنان لأنهما النصاب الذي شرطه الحق سبحانه في سائر الحقوق فلا تغتر بما يفعله القضاة اليوم من عدم الاكتفاء بالاثنين مع العجز مع أن المشهور من القول كما ترى، فقول الناظم: وليس يكفي فيهما العدلان يعني مع إمكان أكثر وإلا اكتفى بهما، ثم إذا شهد بالرشد أربعة عدول فأكثر وشهد عدلان بالسفه فإن شهادة السفه أعمل كما قال: (وفي مرد الرشد يكفيان) وقد تقدم ذلك في تعارض الشهادات.تنبيه:لا خصوصية للترشيد والتسفيه بالاستكثار المذكور بل قال في الفائق: كذلك ينبغي الاستكثار في كل موضع تكون الشهادة فيه على الظن الغالب مما لا سبيل فيه إلى القطع كالتفليس وحصر الورثة والاستلحاق والاستحقاق وانتقال الملك للوارث والشهادة للمرأة بغيبة زوجها، وعدم رجوعه إليها وتركها بغير نفقة والشهادة بالسماع إلى غير ذلك. اهـ. وبالجملة؛ فوثائق الاسترعاء كلها ينبغي فيها الاستكثار مع الإمكان كما مر والله أعلم. له به بشرطين أن يعلم منه خيراً وإن يكون المال يسيراً كالخمسين والستين ديناراً كما لأبي الحسن، وظاهر النظم أنه يجوز للوصي ذلك ولو قبل بلوغ المحجور، وقيل لا يجوز إلا بعد البلوغ، اللهم إلا أن يجعل الوصي على الصبي من يرقبه أو كان متطلعاً عليه وهو الظاهر، لأن الاختبار السابق على البلوغ لا يوجب خروجه من الحجر ولا يعتمد عليه الوصي في إطلاقة منه كما مر، وكذا يجوز ذلك للمقدم بإذن القاضي فإن تلف المال المدفوع للاختبار فلا ضمان على الدافع إلا أن يرى أنه لا يصلح مثله للاختبار لشدة سفهه فيكون عليه الضمان، ولذلك يكتب الشهود في رسم الدفع أن اليتيم ممن يصح اختباره في علمهم. قال ابن سلمون: ونحوه في المتيطية.فرعان:الأول: فإن لحقه دين فقال ابن القاسم عن مالك في المدونة: لا يلزمه الدين لا فيما دفع إليه ولا في غيره، وعليه اقتصر ابن سلمون و(خ) حيث قال: وإن أودع صبياً إلى آخر ما يأتي، وقال أشهب وابن الماجشون: يكون ذلك الدين في المال الذي اختبره به. وقال القابسي: ينبغي أن يباع منه بالنقد فمن بايعه بالنقد فهذا الذي لا يكون له في المال المختبر به شيء على قول ابن القاسم إلا أن يكون في يده أكثر من الذي دفع إليه وليه فيكون حق الذي داينه في الزائد إذا كان الزائد من معاملته إياه. ووجه قول أشهب: إن أذن وليه له في التجارة يقتضي تعلق دين من داينه عليه فيها لأنه على ذلك داينه. ووجه قول مالك: إن الإذن لم يخرج به من الولاية وإنما هو لاختبار حاله فهو كالمولى عليه بعامل قاله ابن يونس.قلت: أفتى ابن الحاج وابن رشد أنه إذا تصرف بمرأى من وليه وطال تصرفه فإن ما لحقه من الدين يلزمه وتصرفه ماض. قال البرزلي: وبه العمل، وقال في موضع آخر، ظاهر المدونة: أنه متى رآه وليه يتصرف وسكت فإنه ماض ويحمل على أنه قصد ذلك وبه جرى العمل. اهـ. وهذا إذا كان تصرفه سداداً ومصلحة وإلاَّ فلا، وتقدم عنه أيضاً نحوه في التنبيه الأول عند قوله: والابن ما دام صغيراً إلخ. وذلك كله يقتضي أن الحكم والعمل بقول أشهب، ثم محل قول ابن القاسم إذا لم يثبت أنه أدخل ذلك الدين في مصالحه كما في المتيطية يعني أنه صرفه فيما لابد له منه وإلاَّ فيلحقه في المال الذي كان بيده ولو لم يكن دفع للاختبار كما مر في الوديعة وكما يأتي.الثاني: قال في فصل تقسيم المدعى عليهم من التبصرة ما نصه: وإذا فرعنا على القول بلحوق الدين لما بيده فإن شهدت البينة على بيعه أو إسلافه معاينة أنفذ ذلك وعمل به، وإن شهدوا على إقراره لم يلزمه شيء إلا أن يشهدوا أن إقراره كان بحضرة المبايعة وبفورها وإن كانوا لم يحضروها لكنهم علموا أن ذلك كان في مجلس التبايع، فتجوز حينئذ ويفدى رب الحق فيما بيد السفيه من المال بعد الإعذار إلى وليه فيما ثبت عليه من ذلك. اهـ.تنبيه:ذكر الزرقاني عند قول (خ) في الوديعة: وإن أودع صبياً أو سفيهاً أو أقرضه أو باعه فأتلف لم يضمن وإن بإذن أهله إلخ. ما نصه. ثم عدم الضمان مقيد بما إذ لم ينصبه في حانوته فإن نصبه فيه ضمن ما أتلفه مما اشتراه أي: لأنه لما نصبه للبيع والشراء وقبول القرض والوديعة فقد أطلق له التصرف فيضمن كذا علله اللقاني، والمراد يضمن وليه الناصب له لا الصبي. اهـ. فتأمل قوله: والمراد يضمن وليه الناصب له إلخ. فإنه يجب أن يحمل على ما إذا نصبه وهو يرى عدم صلاحيته للاختبار كما مر، أو لم ينصبه بقصد الاختبار وإلاَّ فلا ضمان على الولي ولاسيما على القول بجواز اختبار الصبي، بل ولا على القول بعدم جوازه لأن التفريط إنما جاء من قبل من عامله لا من قبل من نصبه والله أعلم. وبالجملة، فلم يظهر وجه قوله: والمراد يضمن وليه إلخ. وإن لم ينصبه بقصد الاختبار لأن التفريط إنما جاء من قبل عامله كما يأتي عن المدونة وما تقدم من أنه يضمن حيث علم أن مثله لا يصلح للاختبار إنما هو في ضمان مال المحجور لا في ضمان مال من عامله. وقول (خ): وإن بإذن أهله خاص بالوديعة، وأما بيعه وشراؤه بإذن وليه فهو ماض إن كان سداداً بل ولو لم يكن إذن وإنما كان هناك سكوت فإنه ماض أيضاً كما مر.تنبيه آخر:ابن حبيب: وإذا دفع الوصي مالاً ليتيمه ليختبره فأنكر ذلك اليتيم فالوصي مصدق فيما دفع إليه إذا علم أن اليتيم كان يتجر. اهـ. ثم تقدم من الخلاف في كون الدين اللاحق يكون في المال المختبر به أو لا إنما هو فيما إذا كان الدافع هو الولي كما مر، وأما لو دفع أجنبي إلى محجور عليه من يتيم أو عبد ما لا يتجر به فقال في المدونة: ما لحقهما من دين فيه يكون في ذلك المال خاصة قال بخلاف الوصي فلا يلزم ذمتهما ولا ذمة الدافع بشيء. أبو الحسن: لأن الذي عامله فرط إذ لم يبحث ويتثبت لنفسه. اهـ. تقدم أن أشهب وابن الماجشون خالفاه في الوصي.تنبيه آخر:قال في أنكحة المعيار عن ابن لب: أن للوصي أن يشتري للمحجور عليه ويبيع عليه ولا يفتقر في ذلك إلى إثبات سداد وهو محمول عليه، نعم إن كان عليه مشرف فلابد من موافقته، فإن امتنع منه أثبت حينئذ السداد فيما فعل بعد مدة.تنبيه آخر:إذا اشترى عبد أو يتيم سلعة فأراد السيد أو الوصي فسخ ذلك فلهما ذلك فإن أراد المشتري منهما أو البائع أن يحلف السيد أو الوصي ما أذنا لهما في ذلك فليس لهما ذلك. اهـ. قاله الرعيني في كتاب الدعوى والإنكار. (وكل ما أتلفه المحجور) صغيراً كان أو كبيراً سفيهاً من مال غيره تعدياً، بأكل أو حرق أو كسر ونحو ذلك ولم يكن قد أمن عليه (فغرمه من ماله) الذي بيده هو (المشهور) ظاهره سواء صرفه فيما لابد منه أو لا، وهو كذلك أي: وظاهره أيضاً ولو لم يكن بيده مال وقت إتلافه فإنه يتبع به في ذمته إن حصل له يسر في يوم ما وهو كذلك قال في المدونة: ومن أودعته وديعة فاستهلكها ابنه فذلك في مال الابن فإن لم يكن له مال ففي ذمته، وقال الرجراجي في كتاب المديان إن جناية الصغير على الأموال لازمة لماله وذمته. اهـ. وظاهر النظم أيضاً ضمانه لما أتلفه ولو كان غير مميز كابن شهر، والذي لابن عرفة أن الصبي الذي سنه فوق شهر يصح أن يتصف بما يوجب غرمه وهو جنايته على المال مطلقاً وعلى الدماء فيما قصر عن ثلث الدية بخلاف ابن شهر، لأن فعله كالعجماء حسبما تقرر في أول كتاب الغصب. اهـ. بل ذكر في الشامل وضيح في باب الغصب أي: فيمن لم يميز لجنون أو صغر كابن شهر أو ستة أشهر أو سنة أو سنتين أو أكثر ثلاثة أقوال. قيل، هدر، وقيل المال هدر دون الدم فهو على العاقلة إن بلغ الثلث وإلاَّ ففي ماله، وثالثها المال في ماله والدم على عاقلته إن بلغ الثلث، واستظهره ابن عبد السلام وضيح لأن الضمان من خطاب الوضع الذي لا يشترط فيه تكليف ولا تمييز، وهذه الطريقة أرجح مما تقدم عن ابن عرفة فالمميز لا خلاف في ضمانه وغيره فيه طرق والراجح الضمان فتعبير الناظم بالمشهور صحيح بالنسبة لغير المميز، وهذا كله إذا لم يؤمن عليه كما قررنا، وأما إن كان قد أمن عليه ففيه تفصيل أشار له بقوله: (إلا إذا طوعاً إليه صرفه): بأن أمنه عليه فيصدق بما إذا أقرضه إياه أو باعه أو ودعه أو أعاره إياه ونحو ذلك. (و) الحال أنه (في سوى مصلحة) لنفسه (قد أتلفه) الصبي أو السفيه فإنه لا ضمان عليه لا في المال الذي بيده ولا في غيره لأن ربه بتأمينه إياه قد سلطه عليه، ولذا لو باع الوديعة أو العبد الذي بعثه للإتيان به وأتلف ثمنه في غير مصلحة فإن رب العبد أو الوديعة يأخذهما من مشتريهما والثمن قد ضاع على المشتري، ومفهوم قوله في سوى مصلحة أنه إذا أتلفه في مصلحته بأن أكله أو لبسه أو صرف ثمنه فيما لابد له منه فإنه يضمن الأقل منه ومما صونه كما مر في الوديعة، وهو محمول مع جهل الحال على أنه صرفه في غير مصلحة حتى يثبت أنه صرفه فيها على المعتمد كما مر. (وفعله) أي المحجور صبياً كان أو سفيهاً مولى عليه أم لا (بعوض) كبيعه لشيء من ماله أو إجارته ونحو ذلك (لا يرتضى) أي لا يمضي بل هو موقوف على إجازة وليه أو الحاكم إن لم يكن له ولي (و) لذلك (إن أجازه وصيه) ونحوه من أب أو مقدم أو الحاكم إن كان مهملاً (مضى) حيث كان فعله من بيع ونحوه سداداً أو عبطة أو محتاجاً إليه في نفقته وإلاَّ لم يمض، ولو أمضاه من ذكر لأنهم معزولون عن غير المصلحة، وتقدم قريباً لأنه لا يمين على الولي إن ادعى المشتري من المحجور أن وليه أذن له في البيع ونحوه، وتقدم قريباً أيضاً أنه إذا تصرف بمحضر وليه وسكوته فإنه ماض لأن سكوته رضا بفعله، وهذا إذا كان فعله سداداً ومصلحة وإلاَّ فلا، فإن لم يكن له ولي أو كان ولم يعلم بفعله حتى رشد كان النظر إليه في الإجازة والرد ولو كان سداداً، وهذا إذا لم يغير الحال فيما باعه بزيادة أو نقصان فيما اشتراه كما لابن رشد، وانظر ما تقدم في اختلاف المتبايعين عند قوله: وعكس هذا لابن سحنون نمى إلخ. وتعتبر المصلحة في رده وإمضائه يوم النظر فيه لا يوم عقده على المعتمد، وهذا في عقد المميز. وأما غيره فبيعه باطل (خ): وشرط عاقده تمييز إلخ. (وفي التبرعات) الصادرة من المحجور كعتق وهبة وصدقة أو حبس (قد جرى العمل بمنعه) منها (ولا يجاز) فعله لها (إن) هو (فعل) بل يتعين على الولي ردها، فإن أجازها الولي أو سكت عنها حتى رشد وملك أمره كان النظر في الرد والإجازة ولا يخرج من ذلك إلا عتق أم ولده فإنه يمضي وكذا وصيته فإنها ماضية كما يأتي. (وظاهر السفه) ثابتة بالبينة من نعته وصفته (جاز الحلما) حال كونه (من غير حجر) عليه بل بقي مهملاً لم يول عليه (فيه) أي في جواز فعله وعدم جوازه (خلف علما) أي قولان. أحدهما. (جواز فعله) ولو بغير عوض كعتق (بأمر لازم) وهو (لمالك) وكبراء أصحابه لأنه يراعي في رد أفعاله وجود الولاية وهي مفقودة الآن. (و) ثانيهما (المنع) من جوازه ولو بعوض ووافق السداد (لابن القاسم) فيكون لمن يولي عليه بعد النظر في الرد والإجازة وإن لم يول عليه فالنظر له إن رشد وبهذا العمل كما مرّ، لأن ابن القاسم يعتبر الحال وبه تعلم أن خلاف ابن القاسم ليس خاصاً بالمهمل بل هو حتى في المولى عليه فإنه يجوز فعله إذا ظهر رشده ولو لم يطلقه وليه كما مر عند قوله: والبالغ الموصوف بالإهمال إلخ. فالبيتان تكرار معه. (وبالذي) ثبت بالبينة العادلة (على صغير مهمل) لا وصي له ولا مقدم (يقضي) أي يقضي القاضي بالذي ثبت على المهمل من الحقوق ديون أو غيرها من استحقاق أصول أو غيرها بعد يميني القضاء والاستحقاق (إذا صح) الذي ثبت عليه (بموجب) بكسر الجيم (جلي) بيِّن لا مطعن فيه، ولا مفهوم لصغير بل غيره من سفيه مهمل أحرى. (وهو) أي المهمل باق (على حجته) إذا وجد براءة من الحق أو جرح ببينته فإنه ينفع (كالغائب) المتقدم في فصله (إلى بلوغه) رشيداً حال كون بقائه على الحجة (بحكم واجب) فقوله: إلى بلوغه يتعلق بالاستقرار في الخبر الذي هو باق على حجته إلى بلوغه ورشده، كما أن الغائب باق عليها إلى قدومه وإلى بمعنى (عند) ولا مفهوم لقوله مهمل بل ذو الولي كذلك في بقائه على حجته وإليه أشار بقوله في اللامية: بتعجيز ذي الإيصاء قولان حصلا إلخ. وأصحهما كما في أقضية المعيار أنه باق على حجته لأن وليه يعرف حججه التي تبطل ما أثبته القائم. (ويدفع الوصي كل ما يجب) ويثبت على محجوره بعد عجزه عن الطعن فيما يثبت عليه (من مال من في حجره) لا من مال نفسه (مهما طلب) بذلك الدفع وحكم عليه الحاكم به ويبقى المحجور على حجته على أصح القولين كما مرّ. (ونظر الوصي في المشهور) الذي به القضاء والعمل كما في ابن سلمون عن ابن عتاب وابن القطان (منسحب على بني المحجور) وبناته تبعاً له، وظاهره كانوا موجودين وقت الإيصاء أو حدثوا بعده، وخالف ابن زرب في ذلك وقال: لا نظر للوصي على بني محجوره إلا بتقديم من القاضي قال المكناسي في آخر مجالسه: وبه العمل والقضاء، ونحوه في وثائق الغرناطي والخرشي والزرقاني عند قوله: والولي الأب إلخ. فتبين أن كلاً من القولين عمل به، ولكن الذي عول عليه ناظم عمل فاس هو ما للمكناسي ومن معه فقال: أي: بموت الوصي لا بموت المحجور، وإن كان أبو العباس المقري قال: يظهر لي أن محل القولين في انسحاب نظر الوصي على أولاد محجوره إنما هو إذا كان المحجور حياً، أما بعد موته فينبغي أن يتفق أن لا يبقى له نظر عليهم لأن النظر عليهم إنما كان بحسب التبع لأبيهم، والقاعدة أنه إن عدم المتبوع عدم التابع. اهـ. بنقل (م) لكن بحث في شرح العمل مع المقري المذكور وقال: إنه مخالف للمنصوص فانظره فوجب حمل ما لناظم فاس على موت الموصي كما مر عن المكناسي وغيره لا على ما قال المقري إذا لم يذكر أحد أن العمل عليه مع أنه مخالف للمنصوص، وأما مقدم القاضي فالذي به العمل فيه كما في ابن سهل أنه لا نظر له على أولاد محجوره إلا بتقديم من القاضي، وأما الأب فالمنصوص عن مالك أنه ينطر لأولاد ابنه السفيه كما ينظر له ويوصي عليهم كما يوصي على ابنه السفيه كما في (ح) عند قوله: وإنما يوصى على المحجور عليه أب إلخ. نقل ذلك كله شارح العمل، وعليه ففي مفهوم الوصي في النظم تفصيل، وظاهر كلام الشامل أن العمل على أنه لا نظر للولي على أولاد محجوره وصياً كان أو أباً أو مقدماً لأنه قال: وفي نظر ولي السفيه على ابنه أو لا نظر له إلا بتقديم مستأنف وبه العمل قولان. اهـ. (ويعقد) الوصي (النكاح للإماء) اللاتي يملكهن محجوره بلا خلاف (والنص في عقد) النكاح على (البنات) أي بنات محجوره (جاء) اسم فاعل أي مروي عن مالك فيعقد على الأبكار البالغات والثيبات اللاتي لم يملكن أمر أنفسهن ورآه وصياً عليهن بكونه وصياً على أبيهن وقيل لا يكون وصياً عليهن إلا بتقديم وهو ما تقدم عن ابن زرب، وأما بناته اللاتي ملكن أمر أنفسهن فلا يعقد عليهن وكذا لا يعقد على أخوات محجوره وسائر قراباته فإن فعل مضى على ما ذهب إليه ابن الهندي قاله في المفيد. وفي وثائق ابن فتحون: أن للوصي أن يعقد على كل من كان يعقد عليه المحجور لو كان رشيداً فيدخل إماؤه وأخواته وسائر قراباته لأنه منزل في ذلك منزلة محجورة، وهذا كله في الأبكار والثيبات البالغات. (و) أما (عقده) على بنات محجوره (قبل البلوغ) فهو (جار بجعله) أي العقد (في البكر) من بنات صلبه أي: فإذا جعل له أن يعقد على بنات صلبه من غير جبر كان له أن يعقد على بنات ذكور محاجيره من غير جبر أيضاً (كالإجبار) أي كما أنه إذا جعل له إجبار على بنات صلبه كان له أن يجبر بنات ذكور محاجيره وإن جعله وصياً وأطلق ولم يقيد بجبر ولا عدمه فعلى القول بأنه يجبر بنات صلبه فإنه يجبر بنات محجوره كذلك، وعلى القول بعدم جبر بنات صلبه فلا يجبر بنات محجوره، وهذا كله هو الملائم لقوله: منسحب على بني المحجور. وقد قال (خ): وجبره وصي أمره أب به أو عين الزوج وإلا فخلاف، وسبك كلام الناظم وعقده على بنات محجوره قبل بلوغهن جار أي جائز نافذ بسبب جعله له في أبكار بناته كما أن إجبارهن كذلك جار على جعله له في أبكار بنات صلبه، وهذا ظاهر إذا كان للموصي ذكور وإناث وجعل له الجبر وعدمه في الإناث، فإن لم يكن له إلا الذكور وأوصى عليهم فيجري في جبر بناتهم الخلاف المذكور في بنات الصلب إن أوصى عليهن وأطلق والله أعلم. (والنقل للإيصاء غير معمل) يعني أن الحاكم إذا أراد أن ينقل الإيصاء عن الوصي إلى غيره، أو أراد الوصي أن يتخلى عن الإيصاء بعد قبوله إياه وموت الموصي سواء قبل باللفظ أو بالتصرف له فإنه لا يعمل على ذلك (إلا لعذر) كاختلال عقل الوصي أو طرو فسقه أو سفره سفراً بعيداً (أو حلول أجل) موته فإن للحاكم أن ينقل الإيصاء حينئذ مع العذر المذكور، وللوصي أن يوصي به إلى غيره عند وفاته أو سفره سفر انقطاع أو بعيداً، وهذا إذا أراد أن يعزل نفسه بعد موت الموصي وقبوله الإيصاء كما قررنا، وأما في حياة الموصي فله أن يعزل نفسه (خ): وله عزل نفسه في حياة الموصي ولو قبل لا بعدهما أي بعد القبول وموت الموصي أي قبل ثم مات الموصي أو مات ثم قبل، وهذا هو المشهور خلافاً لما في الطرر عن ابن زرب من أنه إذا قبل في حياة الموصي فلا يقبل منه عزل نفسه إلا لعذر، وإن قبل بعد موته فللقاضي أن يعفيه لغير عذر الخ فإنه مقابل لا يعول عليه، والمراد بالعذر في كلام الناظم العذر الشديد الذي تنتفي معه قدرة الموصي على القيام بمصالح المحجور بالكلية لا العذر الذي يشق معه القيام قاله في الطرر ونقله شارح العمل عند قوله: هذا البيت غير ضروري الذكر لأن ما قبله يغني عنه كما قررنا، وقوله: إن قبل أي باللفظ أو بما يدل عليه كالتصرف بالبيع وقبض الدين ونحوهما، وسواء قبل في حياة الموصي واستمر عليه إلى أن مات الموصي أو قبل موته، وأما إن قبل في حياة الموصي ولم يستمر عليه بل رجع عنه فإن له ذلك وإن لم يقله الموصي كما مر عن (خ) خلافاً لما في المفيد من أنه إذا قاله الموصي جازت إقالته وإلا لزمه النظر. اهـ. (ولا رجوع) للوصي إلى قبول الإيصاء (إن) كان قد (أبى تقدمه) أي قبوله إياه (من بعد أن مات الذي قد قدمه) (خ): وإن أبى القبول بعد الموت فلا قبول له بعده أي: لأن إبايته صيرته أجنبياً فقبوله بعد إبايته يحتاج لاستئناف إيصاء وهو مفقود بفقد محله، ولا مفهوم للظرف بل كذلك إن أبى القبول قبل موت الموصي، ثم أراد أن يقبل بعد موته فيما يظهر بدليل التعليل المتقدم، وهذا على أن من بعد يتعلق بأبى، ويحتمل أن يتعلق بقوله: ولا رجوع أي لا رجوع له لقبول الإيصاء بعد موت الموصي إن كانت سبقت منه إباية في حياة الموصي أو بعد موته. أي: فلا يوكل غيره على أمور محجوره ولا يوصى عليه عند حضور وفاته بخلاف الوصي، فله أن يوكل ويوصي، وما ذكره الناظم هو المشهور كما مر في الوكالة وتقدم هناك أن الذي به العمل جواز توكيله ولا زال العمل على ذلك إلى الآن.تنبيه:كل من الوصي والمقدم إذا وكلا غيرهما ليس لهما أن يجعلا الإقرار للوكيل كما أنهما ليس لهما الإقرار على المحجور، وقد وقعت نازلة في هذا الأوان وهي أن رجلاً ادعى على وصي أو مقدم أن أبا محاجيره كان تولى قبض متروك والده بوكالة منه وزمم له زمامات تركة أبيه أحدها باسكندرية وآخر بالجزائر وآخر بفاس وحاز الزمامات الثلاث وطلب الآن منه إحضار الزمامات المدعي بها على أبي محاجيره وإعمال الحساب فيها، أو الجواب بما يظهر له حضر وصي المحاجير أو مقدمهم، وأجاب: بأن أبا محاجيره كان وكيلاً للمدعي المذكور وقبض ما وجب من متروك والده بالزمامات الثلاث المذكورة، وإن أراد الحساب يعطيه إياه والنظر للشرع المطاع عرفاً قدره إلخ. وتقيد عقبه بعدل واحد ما نصه بعدما طلب المدعي أعلاه من المجيب إحضار زمام تركة الجزائر، وزعم المجيب المذكور أن الزمام المذكور تلف له وطولب بإحضاره حضر أحمد بن عبد الله وأشهد أنه ضمن عنه ما يجب عليه شرعاً في إحضار الزمام المذكور ضماناً لازماً برضا المضمون له عرفاً قدره إلخ. وقد كان القاضي سدده الله سجن الوصي المذكور حتى يحضر الزمام المذكور وطال سجنه، وسئلت عن ذلك فأجبت بأن نائب المحاجير من وصي ومقدم ووكيل لا يؤمر واحد منهم بجواب المدعي على موروثهم إذ من شرط صحة الدعوى التي يكلف المطلوب بجوابها أن تكون بحيث لو أقر بها المطلوب لزمه إقراره احترازاً من الدعوى على المحجور أو موروثه، فإن المحجور ونائبه لا يكلف واحد منهما بجوابها إذ إقرارهما بها لا يفيد كما في التبصرة و(ح) وشراح اللامية، وقد قال (خ): يؤاخذ المكلف بلا حجر بإقراره لأهل ونائب المحجور كالمحجور فكما لا يؤاخذ المحجور بإقراره كذلك لا يؤاخذ نائبه فتكليف نائب المحجور بالجواب خطأ ممن فعله، وكذا أخذ الضامن منه، ولذا قال ابن عرضون وغيره: ولتحذر أبداً أن تبيح للوكيل المذكور الإقرار إذ ذاك لا يلزم المحجور وإن وكل الأب أو الوصي عن نفسه وعن محجوره. قلت: وكل فلان فلاناً عن نفسه وعن محجوره لينوب عنه في المحاكمة والمخاصمة والإقرار والإنكار في حق نفسه وعلى الإنكار دون الإقرار في حق محجوره. اهـ. وقال في المتيطية: إن قام الطالب بدين على ميت فإن القاضي يأمره أن يثبت موت المطلوب وعدة ورثته من أجل ما يحتاج من الإعذار إليهم إن كانوا مالكين أمر أنفسهم، وإن كانوا صغاراً وجعل عليهم وصي كلفه القاضي إثبات الإيصاء وقبول الوصي بالشهادة على عينه والإعذار فيها إليه بما ثبت عنده من ذلك وإثبات صغار الورثة، فإذا أثبت الطالب جميع ذلك كانت الخصومة بينه وبين الوصي أو المالك أمر نفسه أن الوصي لا يكلف جواباً لأن إقراره لا يعمل، وإنما يقال للمدعي أُثبت ما تدعيه على المحجور فإن أثبته مكن الوصي من الطعن فيه فإن عجز عن الطعن حكم على الميت بالدين بعد يمين القضاء. اهـ. وقال في نظم عمل أهل فاس في باب الوصايا منه: فهذه النصوص كلها صريحة في أن نائب المحجور لا يؤمر بالجواب، وأن جوابه بأن موروثهم قد قبض جميع ما وجب له غير لازم للمحاجير ولا إشكال، وكذا لا يلزمه هو لأنه لم يقر على نفسه بشيء، وإنما أقر عن الغير وقد قال ابن عرفة في حد الإقرار: هو خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط إلخ. فخرج بقوله على قائله كما للرصاع الشهادة إذ الخبر إن أوجب حكمه على غيره هو الشهادة والوصي أو المقدم أو الوكيل إذا شهد على منوبه بشيء وكان عدلاً واستمر عليها ولم يرجع عنها جازت شهادته، وإلاَّ فلا. ونحوه في المدونة ونقله (ح) وغيره عند قوله في الشهادات: ولا من شهد له بكثير ولغيره بوصية إلخ. هذا كله لو كان المدعي به معروف القدر والجنس وأما حيث كانت الدعوى في الزمامات من غير بيان قدر ما فيها ولا جنسه ولا صفته فلا يكلف المطلوب بجوابها، ولو كان غير محجور فضلاً عن كونه محجوراً أو نائباً عنه لكونها من الدعوى بالمجهول ففي الجواهر لو قال: لي عليك شيء لم تسمع دعواه لأنها مجهولة، والحكم بالمجهول متعذر إذ ليس بعضه أولى من بعض. اهـ. فقوله في المقال قبض له متروك والده مجهول القدر والجنس كقوله: قبض له أشياء من متروك والده ولا يدري ما هي تلك الأشياء هل هي من ذوات القيم أو ذوات الأمثال ولا يدري عددها ولا وزنها. وقد قال ابن سهل: فإن كانت الدعوى في شيء في الذمة بين قدره أو في شيء من ذوات الأمثال بين الكيل والوزن والعدد أو فيما تضبطه الصفة فلابد من بيان القيمة. اهـ. وهو معنى قول اللامية: لكن إن كان مجملاً كلام يبين إلخ. وهو معنى قول (خ) فيدعي بمعلوم محقق إلخ. وإذا كان البالغ الرشيد لا يجب عليه أن يجيب عن الدعوى بالمجهول لأنه لو أقر وقال: نعم له علي ما يدعيه وأنكر وقامت البينة بذلك لم يحكم عليه بذلك الإقرار ولا بتلك البينة إذ الكل مجهول والحكم به متعذر كما مر، فكيف يقضى به على المحجور أو نائبه ويلزم بضامن فيه، وأما قوله بالعدل الواحد أن الزمام قد تلف له فقد ساقه هذا العدل مساق الحكاية فلا يفيد، نعم استفسر عنه وقال: إنه أقر عندي بذلك أو أشهدني به فإنه حينئذ يسأل الوصي أو المقدم عن ذلك، فإن قال: إنه تلف بعد وجوده في تركة أبي محاجيره وقبل دخوله ليده أو بعد دخوله، ولكن بغير سببه ولا تفريطه فهو مصدق إذ الأصل عدم العداء وهو حينئذ مقر عن الغير إذ لا يضمن ما فيه حينئذ لعدم تسببه في تلفه ويجري حكمه على ما مر من كونه مقراً أو شاهداً، وإن قال: تلف بسببه فهو ضامن لما فيه لقول (خ) في الزكاة عاطفاً على ما فيه الضمان أو بإمساك وثيقة أو تقطيعها ولكن يصدق بقدر ما فيه بيمينه حيث لم تقم عليه بينة بذلك لقوله أيضاً في الغصب والقول له أي للغاصب في قدره وتلفه وبالله التوفيق. (كذاك لا يجوز) للمقدم من قول القاضي (أن ينعزلا) أي يعزل نفسه أو يعزله القاضي عن التقديم (إلا لعذر بين) من طرو فسق أو اختلال عقل كما مر (إن) كان (قبلا) فإن كان لم يقبل فلا إشكال في أن له أن لا يقبل. (و) شخص (صالح) في دينه لا يشرب ولا يفسق (ليس يجيد) أي لا يحسن (النظر في المال) الذي بيده (إن خيف الضياع) على ماله لكونه لا يحسن إمساكه بل يبذره لكونه لا يعده شيئاً أو لكونه يخدع في تصرفاته مما لا يتغابن الناس بمثله (حجرا) عليه أي ولى الحاكم عليه من يتصرف له ويحفظ ماله وأحرى أن لا يطلق من الحجر إذا كان مولى عليه، وهذا البيت مستغنى عنه بقوله أول الباب الرشد حفظ المال إلخ. إذ مفهومه أنه إذا لم يكن حافظاً لماله لم يكن رشيداً ووجب تحجيره وإن كان صالحاً في دينه. (و) شخص (شارب الخمر) فاسق في دينه (إذا ما) زائدة (ثمرا) أي أحسن النظر والتنمية (لما يلي من ماله لن يحجرا) عليه لأن التحجير إنما هو لضبط المال لا لفساد الأموال لأن فساد أموال الرجل لا تعدوه إلى غيره، وإذا بذر ماله وأتلفه صار عالة على المسلمين ورجعت نفقته إلى بيت مالهم فوصل ضرره بتبذيره إلى جميع المسلمين، فلهذا وجب تحجيره قاله في المتيطية. وهذا البيت مستغنى عنه أيضاً بمنطوق قوله: الرشد حفظ المال مع حسن النظر فيه إلخ. إذ لا يشترط صلاح الدين على المشهور المعمول به خلافاً للمدنيين من اشتراط صلاح الدين أيضاً كما مر. (وللوصي جائز أن يتجرا) بأموال اليتامى على أن الربح لهم والخسارة عليهم (خ): وله دفع ماله قراضاً أو بضاعة ولا يعمل هو به إلخ. وإنما لم يجز أن يعمل هو به مخافة أن يحابي نفسه فإن عمل به بنفسه بقراض مثله جاز ولم يكن عليه فيه ضمان إن تلف وكان الربح بينهما على ما شرط، وإن خسر لم يضمن وإن عمل به يجزء أكثر من قراض مثله فإنه يرد إلى جزء قراض مثله فإن خسر أو تلف فاختلف هل يضمن أم لا؟ والمعتمد عدم الضمان قاله ابن رشد، وظاهره أن له أن يدفعه قراضاً وبضاعة ولو براً وبحراً وهو كذلك مع الأمن كما يفيده قوله: (لكنه يضمن مهما غررا) في تجره هو به في وقت فتنة وبلد خوف لا تنالها الأحكام أو يدفعه لغير أمين يتجر به، أو لمن يسافر به في البحر في وقت هوله، أو يسلك به في طريق مخوف ونحو ذلك وأشعر قوله: وللوصي جائز أن يتجرا إلخ. أنه لا يجب عليه ذلك وهو كذلك إذ لا يجب عليه تنمية مال محجوره على المشهور، وقول عائشة رضي الله عنها: اتجروا بأموال اليتامى لئلا تأكلها الزكاة إلخ. محمول على الندب كما لابن رشد، ولا مفهوم لقوله؛ أن يتجرا بل كذلك له أن يشتري لهم الرقيق والغنم للغلة ويبيع عليهم ولا يحتاج في ذلك إلى إثبات سداد كما تقدم عند قوله: وجاز للوصي فيمن حجرا إلخ. لكن هذا كله على أن أموال اليتامى تبقى بيد الأوصياء على وجه الوديعة ولا تدخل في ذمتهم، وأما على ما به العمل من إدخالها في ذمتهم كما تقدم عند قوله: ويجعل القاضي بكل حال إلخ. فإن الوصي ونحوه إذا اتجر بها فإن الربح له والخسارة عليه بل لو بقيت بيده على وجه الإيداع ولم تدخل في ذمته واتجر بها لنفسه لا لهم لكان الربح له والخسارة عليه كما مرَّ عند قوله في الوديعة: واتجر بالمودع من أعمله إلخ.تنبيهات:الأول: لو قال الموصي: قبضت القراضات أو الديون ممن هي عليه فذلك براءة للغرماء، وكذا الوكيل المفوض إليه بخلاف الوكيل المخصوص فإن ذلك لا يكون براءة إلا ببينة على الدافع، ولو قال الوصي أو المفوض إليه: قبضت وتلف مني صدق أيضاً وكان براءة لهم فإن ادعى الغرماء أنهم دفعوا للوصي الدين أو القراض وأنكر ذلك حلف وإن نكل ضمن وإن قضى الوصي غرماء الميت بغير بينة فأنكر وأضمن قاله في المدونة. وإذا دفع ديناً على الميت بلا يمين القضاء فإنه ضامن قاله (م) في شرح اللامية عند قوله: يمين قضاء ذي وتلزم مطلقاً إلخ. وتقدم في باب الصلح أن للوصي أن يصالح عن محجوره ولو في يمين القضاء إذا رأى غريمه الخصم عليها ونقله (ح) في الصلح والبرزلي في الوكالة.الثاني: ذكر أبو الحسن عن ابن زرب أنه سئل عن الوصي يقول: دفعت عن اليتيم العشر والمغارم والجعائل لأهل الشرطة ونائب العمل فقال: إن كان ذلك معروفاً بالبلد وادعى ما يشبه أن يؤخذ به عنه صدق. اهـ. وتأمله مع ما في وصايا المعيار من أن الوصي إذا زعم أنه كان يخرج زكاة يتيمه في حال صغره وخالفه اليتيم في ذلك فإن الوصي لا يصدق حتى يثبت ذلك. اهـ. ومثله في نوازل السجستاني وفي (ح) عند قول (خ): وإخراج فطرته وزكاته إلخ. أن الوصي إذا لم يشهد على إخراج زكاته يصدق إن كان مأموناً قال: وانظر إذا لم يكن مأموناً هل يلزمه غرم المال أو يحلف لم أر فيه نصاً. اهـ.قلت: والظاهر أن ما في وصايا المعيار إنما هو إذا لم يكن مأموناً وهو الموافق لما تقدم عن اللخمي وابن عطية عند قوله: ويكتفي الوصي بالإشهاد إلخ. من قلة أمانة أوصياء الزمان، وتقدم أيضاً أن ذلك هو الموجب لإدخال مال المحاجير في ذمتهم، وعليه فإذا أخذ نائب الشرطة الوصي بمال المحجور فهل يغرمه الوصي للمحجور بناء على أن ما في الذمة يتعين أو لا يغرمه بناء على أنه لا يتعين؟ وعلى الأول اقتصر ناظم العمل حيث قال: وفي وصايا المعيار أن المحجور إذا جنى جناية فأخذ وصيه في جنايته فإن ثبت أن الوصي أخذ بسبب محجوره وأنه امتنع حتى أكره بالتهديد فإنه يكون ما التزمه من المال متعلقاً بمال المحجور، وأما القريب إذا أخذ بجناية قريبه فقد بينا حكمه في أسئلة محيي الدين.الثالث: على القاضي أن يفرض للوصي أجرة على نظره بقدر شغله بالنظر في مال اليتيم من تصرف في غلات أصوله وشراء نفقته إذا طلب الوصي أو المقدم ذلك فإن تورعا عن ذلك فهو خير لهما وللوصي والكافل والحاضن والمقدم أن يؤاجروا محجورهم صبياً كان أو سفيهاً ويجوز دفع الأجرة له ما لم يكن لها بال ويكون الدفع بمعاينة الشهود قاله في المتيطية. وانظر ابن سلمون وأوائل الإجارة من شرح الشامل.الرابع: قال في المدونة: ويصدق الوصي في الإنفاق على اليتيم إن كان في حجره ما لم يأت بسرف وإن ولي النفقة عليهم غيرهم ممن يحضنهم من أم أو غيرها لم يصدق في دفع النفقة إلى من يليهم إلا ببينة. اهـ. فقولها في الإنفاق أي في أصله وقدره والحاضن والمقدم والكافل مثل الوصي في ذلك، وظاهر قولها لم يصدق في دفع النفقة إلخ. أنه لا يصدق ولو علم فقر الحاضن من أم ونحوها، وللخمي في ذلك تفصيل (خ) والقول له في قدر النفقة إلخ.الخامس: قال مالك في رجل أوصى لزوجته فتزوجت فخيف على المال فإنها تكشف عما قبلها. اهـ. وفي الطرر: إذا علم أنها صالحة الحال وافرة المال ظاهرة السداد حسنة النظر أقرت بعد أن يحصى المال عندها بالإشهاد عليه فإن جهل حالها شورك في النظر معها غيرها ويكون المال عنده ولا يترك عندها ولا تعزل عن الإيصاء إلا أن يثبت ما يوجبه، ولابن رشد إن جهل حالها جعل القاضي عليها مشرفاً. اهـ. وهو الذي اقتصر عليه الزرقاني عند قوله: وطرو الفسق يعزله، وفي ابن سلمون إذا قام قريب المحجور يريد كشف وصيه عما بيده لم يكن له ذلك إلا أن يكون الوصي لا مال له أو يكون عليه ديون فإن القاضي ينظر في ذلك حينئذ. أنظر بقيته فيه وانظر المعيار في الوصايا. (وعندما يأنس) يبصر الولي أباً كان أو غيره والظرف مضمن معنى الشرط معمول لجوابه وما مصدرية (رشد) مفعول به (من) مضاف إليه واقع على المحجور (حجر) صلة من والتقدير وعند إيناس الولي رشد محجوره (يطلقه) أي يجب عليه أن يطلقه من ثقاف الحجر (وماله) مفعول بقوله. (له يذر) أي يترك له ماله ويدفعه إليه لقوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} إلى قوله: فأشهدوا عليهم} (النساء: 6) أي لئلا تغرموا لأن القول للمحجور في عدم الدفع على المشهور. (وحيث) علم الولي رشده ووجب عليه إطلاقه ودفع ماله إليه و(لم يفعل فقد تصدى) أي تهيأ (أن يضمن المال) إذا تلف سواء تلف ببينة أو بغيرها كان مما يغاب عليه أم لا. (لأن تعدى) أي لأنه قد تعدى بعدم إطلاقه ودفع ماله إليه فهو كغاصب حينئذ والغاصب يضمن مطلقاً، وظاهره لا فرق بين أن يعلم الوصي وحده برشده ولم تقم بينة به أو لم يعلمه وقامت به بينة لم يجد مطعناً فيها فإنه يضمن في ذلك كله، وهذا ظاهر على ما درج عليه الناظم في قوله: ويكتفي الوصي بالإشهاد إلخ. وأما على ما تقدم هناك عن اللخمي وابن عطية من عدم قبول قوله في ترشيده فإنه لا ضمان عليه فيما إذا علم هو فقط، وإنما يضمن مع بينة الرشد.
|